هل شطف الدرج من الأعلى كافي؟

هل شطف الدرج من الأعلى كافي؟

مقدمة: المثل كـنظرية سياسية

في النسيج الثقافي السوري والبلاد الشامية، يتردد مَثَلٌ بليغ يختزل في طياته نظرية سياسية واجتماعية عميقة: “الدرج يُشطَف من الأعلى”. هذا القول ليس مجرد حكمة شعبية عابرة، بل هو تعبير مكثف عن فهم مجتمعي لطبيعة السلطة الهرمية وتجذر الفساد. يعكس المثل قناعة راسخة بأن أي عملية إصلاح حقيقية لا يمكن أن تبدأ إلا من قمة الهرم، أي من رأس الدولة والحكومة، لتنساب آثارها تدريجياً نحو المستويات الأدنى في البيروقراطية والمجتمع. يتجلى هذا المنطق في أمثال أخرى تعزز الفكرة ذاتها، مثل “التلم الأعوج من الثور الكبير” ، الذي ينسب الخلل في القاعدة إلى الانحراف في القمة، أو “البرطيل بيحلّ دكة القاضي” ، الذي يشير إلى أن الفساد قادر على اختراق أمنع حصون العدالة. وقد استُخدم هذا المثل في الخطاب السياسي الجاد، كما فعل الحقوقي السوري هيثم المالح، مما يؤكد تحوله من حكمة شعبية إلى أداة تحليلية لوصف الواقع السياسي.

يضعنا هذا المثل أمام إشكالية محورية في دراسات الحوكمة والإصلاح السياسي: هل الإرادة السياسية للقيادة العليا، أو “شطف الدرج من الأعلى”، هي شرط كافٍ وضروري لاجتثاث الفساد المستشري وبناء دولة فعالة؟ أم أنها مجرد نقطة انطلاق ضرورية ولكنها غير كافية على الإطلاق إذا ما نُفذت بمعزل عن إصلاحات أعمق وأشمل؟ يهدف هذا التقرير إلى تفكيك هذه الإشكالية عبر تحليل معمق لمنطق المثل، واستعراض نقدي للنماذج النظرية المختلفة لإصلاح الدول، ومن ثم اختبار هذه النماذج على ضوء تجارب تاريخية ملموسة. سننطلق من فرضية أن “شطف الدرج” يمثل خطوة أولى حاسمة، ولكنه يظل عملاً سطحياً ومؤقتاً ما لم يواكبه إصلاح هيكلي للمؤسسات (“إعادة بناء الدرج نفسه”)، وتغيير في الثقافة السياسية والمجتمعية (“تغيير سلوك مستخدمي الدرج”). من خلال هذه المقاربة التحليلية، نسعى لتقديم إطار متكامل لفهم التحديات المعقدة التي تواجه الدول التي تسعى للانعتاق من قبضة الفساد، وتقديم رؤية شاملة لمقومات الإصلاح المستدام.

القسم الأول: منطق وحدود الإصلاح من الأعلى

تفكيك نموذج “الرئيس النزيه”

في جوهره، يستند منطق “شطف الدرج من الأعلى” إلى نموذج نظري يُعرف في أدبيات الاقتصاد والحوكمة بـ “مشكلة الوكيل والرئيس” (Principal-Agent Problem). يفترض هذا النموذج أن الفساد هو انحراف عن القاعدة، حيث يقوم “الوكلاء” (الموظفون والبيروقراطيون) بخيانة مصالح “الرئيس” (الدولة أو القيادة) لتحقيق مكاسب شخصية. وعليه، فإن الحل يكمن في وجود “رئيس نزيه” (Principled Principal)، أي قائد يمتلك الإرادة السياسية الصادقة لفرض الانضباط وتصويب سلوك الوكلاء.

تكمن قوة هذا النموذج في تركيزه على الدور الحاسم للإرادة السياسية في قمة السلطة. فالقيادة العليا تسيطر على أدوات الدولة الرئيسية: السلطة التشريعية لسن القوانين الرادعة، والسلطة التنفيذية لتطهير المؤسسات، والسلطة القضائية لمحاسبة الفاسدين. عندما تتوفر هذه الإرادة، يمكن تحقيق نتائج سريعة وملموسة. إن إقالة كبار المسؤولين الفاسدين، وتعديل القوانين التي تسمح بالفساد، ومحاكمة المتورطين، كلها إجراءات ترسل إشارة قوية وحاسمة إلى بقية المجتمع والمؤسسات بأن قواعد اللعبة قد تغيرت. هذا التأثير السريع يمكن أن يكسر حلقة الخوف واللامبالاة، ويعزز ثقة المواطنين في جدية جهود الدولة لمكافحة الفساد.

نقد النموذج: حين يكون الرئيس هو المشكلة

على الرغم من وجاهته الظاهرية، ينهار منطق “الرئيس النزيه” عند مواجهة واقع الفساد المنظومي (Systemic Corruption)، حيث لا يكون الفساد مجرد انحراف فردي، بل هو القاعدة التي يعمل بها النظام بأكمله. هنا، لا تكمن المشكلة في “الوكلاء” الخائنين، بل في أن “الرئيس” نفسه قد يكون المستفيد الأكبر من المنظومة الفاسدة أو جزءاً لا يتجزأ منها. إن الفشل الجوهري للعديد من استراتيجيات الإصلاح من الأعلى لا يكمن في سوء التنفيذ، بل في خطأ التشخيص الأولي للمشكلة. فهي تتعامل مع مشكلة سياسية بنيوية تتعلق بتوزيع القوة والمصالح كما لو كانت مجرد مشكلة فنية يمكن حلها بتعزيز الرقابة الإدارية.

الفساد كـ “مشكلة فعل جماعي”: في البيئات التي يتجذر فيها الفساد، يتحول الأمر من “مشكلة وكيل ورئيس” إلى “مشكلة فعل جماعي” (Collective Action Problem). يصبح الفساد هو التوازن السائد (Equilibrium)، حيث لا يملك أي فاعل بمفرده حافزاً لتغيير سلوكه. قد يدرك معظم الموظفين والمواطنين أن نظاماً نزيهاً هو الأفضل للجميع على المدى الطويل، لكنهم لا يثقون بأن الآخرين سيلتزمون بالنزاهة. لذلك، يستمرون في دفع الرشاوى أو قبولها من باب الدفاع عن النفس أو لتحقيق مصالحهم في نظام لا يكافئ النزاهة. في هذا السياق، فإن مجرد تغيير شخص الرئيس دون تغيير قواعد اللعبة الأساسية لن يغير من هذا التوازن الراسخ.

“فجوة التصميم والواقع”: تفشل العديد من مبادرات الإصلاح التي تبدو مثالية على الورق بسبب وجود “فجوة هائلة بين التصميم والواقع” (Design-Reality Gap). يتم تصميم هذه الإصلاحات بناءً على افتراض وجود رئيس نزيه وبيروقراطية راغبة في التنفيذ، لكنها تُطبّق في واقع سياسي واقتصادي تكون فيه النخب الحاكمة هي نفسها المستفيدة من الوضع القائم. هذا التناقض بين الخطة النظرية والواقع السياسي يجعل الإصلاحات إما حبراً على ورق أو يتم إفراغها من مضمونها. إن ما يوصف غالباً بـ “غياب الإرادة السياسية” ليس مجرد نقص أو إهمال، بل هو في الحقيقة انعكاس لإرادة سياسية فاعلة تهدف إلى الحفاظ على التوازن الفاسد الذي يخدم مصالحها.

مقاومة “الدولة العميقة”: حتى لو وصل إلى السلطة قائد إصلاحي حقيقي، فإنه سيواجه حتماً مقاومة شرسة من “الدولة العميقة” (Deep State). هذه الدولة ليست كياناً رسمياً، بل هي شبكة معقدة ومتجذرة من المصالح تضم كبار الضباط في الجيش والأجهزة الأمنية، وشخصيات نافذة في القضاء، وكبار البيروقراطيين، ورجال أعمال متحالفين مع السلطة. هذه الشبكة، التي بنت نفوذها وثروتها على قواعد النظام القديم، ستستخدم كل ما لديها من قوة رسمية وغير رسمية لعرقلة وإفشال أي محاولة إصلاح تهدد امتيازاتها ومصالحها الراسخة.

القسم الثاني: نماذج الإصلاح المتنافسة والمتكاملة

كنتيجة للقيود الجوهرية التي تعتري نموذج الإصلاح من الأعلى حصراً، برزت في أدبيات الحوكمة والتنمية نماذج بديلة أو مكملة تسعى إلى معالجة الفساد من زوايا مختلفة. يستعرض هذا القسم ثلاثة من أبرز هذه النماذج: النهج التصاعدي، والنهج المؤسسي، ونهج “الصدمة الكبرى”.

النهج التصاعدي: بناء الطلب على التغيير

يرى النهج التصاعدي (Bottom-up Approach) أن التغيير المستدام لا يمكن فرضه من فوق، بل يجب أن ينبع من القاعدة الشعبية والمجتمع المدني. منطق هذا النهج بسيط: عندما يرفض المجتمع الفساد كثقافة وممارسة، ويصبح قوة ضاغطة ومراقبة، فإنه يجبر النخبة السياسية على التغيير أو يمهد الطريق لاستبدالها.

آليات النهج التصاعدي:

      • التوعية والتعليم: يعتبر رفع وعي المواطنين بحقوقهم، وبمخاطر الفساد المدمرة على حياتهم اليومية ومستقبل بلدهم، حجر الزاوية في هذا النهج. فالمواطن الذي يدرك أن الرشوة التي يدفعها أو الواسطة التي يستخدمها تساهم في تدهور الخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية، يصبح أقل قبولاً للفساد وأكثر استعداداً لمقاومته.

      • منظمات المجتمع المدني (CSOs): تلعب هذه المنظمات دوراً حيوياً كجهات رقابية مستقلة. فهي ترصد أداء الحكومة، وتكشف قضايا الفساد عبر الإعلام، وتدافع عن حقوق المواطنين، وتقدم الدعم القانوني للضحايا والمبلغين، وتضغط من أجل إصلاحات تشريعية. وتظهر تجارب ناجحة كيف تمكنت منظمات المجتمع المدني من تحريك دعاوى قضائية ضد شركات كبرى وسياسيين في سويسرا وفرنسا ، وكيف قادت حركات شبابية حملات ناجحة ضد قوانين مقيدة للحريات في فيجي وكمبوديا.

      • المساءلة الاجتماعية: تركز هذه الآلية على تمكين المواطنين من مراقبة أداء الخدمات العامة والمشاريع الحكومية على المستوى المحلي (في الأحياء والبلدات). يشمل ذلك مراقبة الميزانيات المحلية، وتقييم جودة المدارس والمستشفيات، والإشراف على تنفيذ مشاريع البنية التحتية، مما يقلل من فرص الفساد الصغير والهدر.

    على الرغم من أهميته، يواجه النهج التصاعدي تحدياً كبيراً يتمثل في القمع الحكومي. في الأنظمة السلطوية أو الهجينة، غالباً ما يتم تقييد عمل منظمات المجتمع المدني، وملاحقة الصحفيين والناشطين، وتضييق الحريات العامة، مما يحد بشكل كبير من قدرة هذا النهج على إحداث تغيير واسع النطاق.

    النهج المؤسسي: إعادة كتابة قواعد اللعبة

    يعتبر هذا النهج هو الأكثر شيوعاً وقبولاً في أدبيات مكافحة الفساد على المدى الطويل. يركز النهج المؤسسي (Institutionalist Approach) على بناء “قواعد لعبة” قوية ومستقلة وعادلة، بحيث يصبح الفساد ممارسة صعبة ومكلفة وعالية المخاطر، بغض النظر عن هوية الأشخاص الموجودين في السلطة. الهدف ليس الاعتماد على “الملائكة” ليحكموا، بل بناء نظام يمكنه لجم “الشياطين”.

    أركان الإصلاح المؤسسي:

        • استقلال القضاء: هذا هو الركن الأهم. فقضاء مستقل ونزيه وفعال هو الضمانة الأساسية لمحاسبة أي شخص، مهما علا منصبه. يوفر القضاء المستقل تهديداً حقيقياً وموثوقاً بالعقاب، مما يرفع تكلفة الفساد على النخب السياسية والاقتصادية. ويتطلب الإصلاح هنا نظرة شمولية؛ فوجود محاكم ابتدائية مستقلة لا يكفي إذا كانت المحاكم العليا خاضعة للنفوذ السياسي، حيث يمكن أن تتحول الأخيرة إلى “صمام أمان مؤسسي” للنخب لإلغاء إدانات الفساد الصادرة عن المحاكم الأدنى درجة.

        • الشفافية والوصول إلى المعلومات: إن جعل المعلومات الحكومية (مثل الميزانيات، العقود العامة، قرارات التوظيف، الإنفاق العام) متاحة للجمهور هو أحد أقوى الأدوات الوقائية. الشفافية تقلص مساحات الصفقات السرية وتمنع الاحتكارات، وتمكّن الصحفيين والمواطنين ومنظمات المجتمع المدني من ممارسة دورهم الرقابي بفعالية.

        • إصلاح الخدمة المدنية: يهدف هذا الإجراء إلى تحويل الإدارة العامة من نظام قائم على المحسوبية والولاء إلى نظام قائم على الجدارة والكفاءة. ويشمل ذلك وضع معايير واضحة وشفافة للتوظيف والترقية، وربطها بالأداء، بالإضافة إلى دفع رواتب تنافسية للموظفين العموميين لتقليل حاجتهم أو إغراءهم بقبول الرشاوى.

        • هيئات رقابية مستقلة: يتطلب الإصلاح إنشاء أو تمكين هيئات مستقلة لمكافحة الفساد، ودواوين محاسبة، ومكاتب أمناء المظالم (الأومبودسمان)، ومنحها الموارد المالية والبشرية الكافية، والصلاحيات القانونية اللازمة للتحقيق والملاحقة باستقلالية تامة عن السلطة التنفيذية.

      نهج “الصدمة الكبرى”: هجوم شامل ومتزامن

      يجمع هذا النهج، الذي يُعرف أيضاً بـ “Big Bang” أو النهج متعدد الجوانب (Multi-pronged Approach)، بين عناصر من النهجين السابقين. يقوم منطق هذا النهج على أن الفساد المنظومي هو توازن مستقر وعنيد، وكسر هذا التوازن يتطلب “صدمة” قوية وسريعة وشاملة، وليس إصلاحات تدريجية قد يبتلعها النظام الفاسد نفسه.

      آليات نهج “الصدمة الكبرى”: يتطلب هذا النهج تنفيذاً متزامناً لعدة إجراءات حاسمة :

          1. قيادة سياسية ذات تفويض شعبي كاسح: لا يمكن تنفيذ هذا النهج إلا بوجود قيادة تمتلك إرادة سياسية حديدية وتستند إلى دعم شعبي واسع، غالباً ما يأتي في أعقاب ثورة أو انتخابات حاسمة (مثل ميخائيل ساكاشفيلي في جورجيا بعد ثورة الزهور).

          1. إجراءات صادمة رمزية: اتخاذ قرارات سريعة وصادمة في بداية العهد الجديد، مثل محاكمة “رؤوس الفساد الكبيرة” أو حل مؤسسات معروفة بفسادها بالكامل (مثل حل شرطة المرور في جورجيا)، وذلك بهدف كسر حاجز الخوف لدى المواطنين وإثبات جدية لا تقبل الشك في التوجه الجديد.

          1. تحرير اقتصادي وإداري جذري: إزالة القيود البيروقراطية بشكل واسع، تبسيط الإجراءات الحكومية، تقليص دور الدولة في الاقتصاد، وخصخصة الشركات العامة. الهدف هو تجفيف منابع الفساد والرشوة والعمولات التي تنشأ من تعقيد الإجراءات وتدخل الدولة المفرط.

          1. إعادة بناء مؤسسي متزامن: بالتوازي مع الإجراءات الصادمة، يتم العمل على بناء مؤسسات جديدة ونظيفة من الصفر، وتمرير حزمة واسعة من الإصلاحات التشريعية التي تدعم الشفافية والمساءلة.

        تكمن نقطة الضعف الرئيسية في هذا النموذج في قوته ذاتها؛ فالاعتماد على قائد قوي ومركزي لتنفيذ هذه الصدمة يحمل في طياته خطر التحول إلى شكل جديد من أشكال السلطوية، خاصة إذا لم يتم بناء مؤسسات ديمقراطية رقابية قوية ومتينة بسرعة كافية لضبط هذه السلطة الجديدة.

        النموذج (Paradigm)المنطق الأساسي (Core Logic)الفاعلون الرئيسيون (Key Actors)الآليات الأساسية (Primary Mechanisms)نقاط القوة / السيناريو الأفضلنقاط الضعف / شروط الفشل
        الإصلاح من الأعلى (Top-Down)الفساد انحراف فردي (مشكلة وكيل ورئيس). الحل يكمن في إرادة “الرئيس النزيه”.القيادة السياسية (الرئيس، الحكومة).استخدام أدوات الدولة (قانون، قضاء، تنفيذ) لفرض الانضباط، إقالة الفاسدين، سن قوانين جديدة.تغيير سريع ومباشر، إرسال إشارة قوية للمجتمع، بناء ثقة أولية.تجاهل الطبيعة المنظومية للفساد، مقاومة الدولة العميقة، الفجوة بين التصميم والواقع، الفساد كـ “فعل جماعي”.
        الإصلاح من الأسفل (Bottom-Up)التغيير المستدام ينبع من القاعدة الشعبية. خلق طلب مجتمعي على النزاهة.المجتمع المدني، المواطنون، الإعلام المستقل، النقابات.التوعية والتعليم، الرقابة المجتمعية، فضح الفساد، المساءلة الاجتماعية، الاحتجاج والضغط.استدامة طويلة الأمد، تغيير ثقافي حقيقي، شرعية شعبية للإصلاح.بطيء، عرضة للقمع في الأنظمة السلطوية، قد لا يمتلك القدرة على تغيير الهياكل المؤسسية العميقة.
        الإصلاح المؤسسي (Institutionalist)الإصلاح الدائم يعتمد على “قواعد لعبة” قوية ومستقلة، وليس على فضيلة الأفراد.القضاء، البرلمان، هيئات الرقابة المستقلة، الخدمة المدنية.استقلال القضاء، الشفافية والوصول للمعلومات، إصلاح الخدمة المدنية (الجدارة والرواتب)، هيئات مكافحة فساد مستقلة.إصلاح بنيوي ومستدام، بناء نظام قادر على الصمود في وجه القادة الفاسدين، تعزيز سيادة القانون.عملية طويلة ومعقدة، يتطلب توافقاً سياسياً واسعاً، قد يتم إفراغ المؤسسات من مضمونها لتصبح شكلية.
        نهج “الصدمة الكبرى” (Big Bang)كسر “توازن الفساد” المرتفع يتطلب صدمة شاملة وسريعة، وليس إصلاحاً تدريجياً.قيادة سياسية قوية ذات تفويض شعبي، فرق إصلاح مركزية.إجراءات صادمة (اعتقالات، حل أجهزة)، تحرير اقتصادي جذري، إعادة بناء مؤسسي سريع، استخدام التكنولوجيا.كسر حلقة الفساد بسرعة، تحقيق نتائج ملموسة تبني الزخم، تغيير العقليات السائدة.مخاطر عالية، الاعتماد المفرط على قائد قوي قد يؤدي لسلطوية جديدة، إمكانية حدوث استيلاء نخبوي جديد على الدولة إذا لم تُبنَ الضوابط بسرعة.

        القسم الثالث: دراسات حالة في الإصلاح – أدلة من الميدان

        للانتقال من التنظير إلى التطبيق، يستعرض هذا القسم ثلاث تجارب دولية رئيسية في مكافحة الفساد، تمثل كل منها تطبيقاً عملياً لأحد النماذج التي نوقشت سابقاً. تتيح لنا هذه التجارب اختبار الفرضيات النظرية وتقييم فعاليتها وقيودها في سياقات مختلفة.

        سنغافورة: النموذج الأصلي للنجاح من الأعلى؟

        تُقدَّم تجربة سنغافورة في كثير من الأحيان على أنها المثال الأكثر نجاحاً ووضوحاً لنموذج الإصلاح من الأعلى، الذي تقوده نخبة سياسية حازمة. عند وصول حزب العمل الشعبي (PAP) بقيادة لي كوان يو إلى السلطة عام 1959، كانت سنغافورة تعاني من فساد مستشرٍ في جميع مفاصل الدولة والمجتمع. كانت استراتيجية لي كوان يو شاملة وقائمة على أربعة أركان أساسية:

            1. إرادة سياسية لا تلين: كان لدى لي كوان يو وفريقه الحاكم قناعة شخصية عميقة بأن الفساد هو أكبر عائق أمام التنمية، وأن القضاء عليه شرط أساسي لبقاء سنغافورة كدولة ناجحة. هذه الإرادة لم تكن مجرد شعار، بل تُرجمت إلى سياسات صارمة ومستمرة.

            1. هيئة مكافحة فساد قوية ومستقلة: أدركت القيادة أن جهاز مكافحة الفساد الموجود كان “نمراً من ورق”. لذلك، تم تعزيز “مكتب التحقيق في الممارسات الفاسدة” (CPIB) بشكل كبير، ووضعه تحت الإشراف المباشر لمكتب رئيس الوزراء لضمان استقلاليته التامة عن باقي أجهزة الدولة، وخصوصاً الشرطة، التي كانت هي نفسها متورطة في الفساد.

            1. قوانين صارمة وتطبيق بلا محاباة: تم سن “قانون منع الفساد” (PCA) الذي منح الـCPIB صلاحيات واسعة جداً، بما في ذلك سلطة الاعتقال والتفتيش والتحقيق في الحسابات المصرفية للمشتبه بهم وأقاربهم. الأهم من ذلك، تم تطبيق هذا القانون بصرامة على الجميع، بما في ذلك كبار الوزراء والمسؤولين في الحزب الحاكم، مما أرسل رسالة واضحة بأنه لا أحد فوق القانون.

            1. إصلاحات إدارية واقعية: بالتوازي مع القمع، تم العمل على تجفيف منابع الفساد. شمل ذلك تبسيط الإجراءات البيروقراطية لتقليل فرص الابتزاز، والأهم من ذلك، رفع رواتب موظفي الخدمة المدنية والوزراء بشكل كبير لتصبح منافسة لرواتب القطاع الخاص، مما أزال الحافز المادي للفساد.

          تقييم نقدي واستدامة النموذج: على الرغم من نجاحها الباهر، فإن تجربة سنغافورة محاطة بأسئلة حول إمكانية تكرارها واستدامتها. فالنجاح كان مرتبطاً بسياق فريد: دولة صغيرة الحجم، وشعور بوجود أزمة وجودية بعد الانفصال عن ماليزيا، ووجود نظام حكم الحزب الواحد السلطوي الذي أعطى الأولوية للنمو الاقتصادي والكفاءة على حساب الحريات السياسية والتعددية. إن الاعتماد الكبير على نزاهة وإرادة النخبة الحاكمة يطرح تساؤلات حول استدامة النموذج على المدى الطويل. قضية الفساد الأخيرة التي اتُهم فيها وزير النقل عام 2023 تظهر أنه حتى هذا النظام المحصن ليس منيعاً تماماً. التحدي المستقبلي يكمن في ما إذا كانت “ثقافة عدم التسامح مطلقاً مع الفساد” التي تم غرسها على مدى عقود قادرة على الصمود في وجه أي تغييرات سياسية محتملة أو ترهل في القيادة.

          جورجيا: “الصدمة الكبرى” في الممارسة وعواقبها

          تمثل تجربة جورجيا بعد “ثورة الزهور” عام 2003 تطبيقاً شبه مثالي لنهج “الصدمة الكبرى”. قبل الثورة، كانت جورجيا واحدة من أكثر الدول فساداً في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي. حكومة الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي، التي جاءت إلى السلطة بتفويض شعبي كاسح لمكافحة الفساد، قامت بتنفيذ حزمة من الإصلاحات الجذرية والسريعة:

              • العلاج بالصدمة: كان الإجراء الأكثر رمزية هو حل جهاز شرطة المرور بالكامل، الذي كان مرادفاً للرشوة والابتزاز، في يوم واحد، وفصل حوالي 30,000 شرطي. تبع ذلك حملة اعتقالات طالت شخصيات نافذة، وهجوم مباشر على رموز الجريمة المنظمة والفساد.

              • تحرير شامل: تم إطلاق موجة واسعة من التحرير الاقتصادي وتقليص البيروقراطية، حيث تم تخفيض عدد الضرائب من 21 إلى 6 فقط، وتبسيط إجراءات تسجيل الشركات والتراخيص بشكل جذري. كما تم تسخير التكنولوجيا لتقليل الاحتكاك المباشر بين المواطن والموظف، ونشر جميع العقود الحكومية على الإنترنت لتعزيز الشفافية.

            النجاحات الأولية: كانت النتائج الأولية مذهلة. فقد تم القضاء على الفساد الصغير والرشوة اليومية بشكل شبه كامل، وتحسنت بيئة الأعمال بشكل كبير، مما أدى إلى قفزة هائلة في تصنيف جورجيا على مؤشرات مدركات الفساد العالمية.

            التفكك طويل الأمد – الانزلاق الديمقراطي والاستيلاء على الدولة: هنا يكمن الدرس الأكبر في التجربة الجورجية. فالتركيز الهائل للسلطة الذي مكّن ساكاشفيلي من تنفيذ “الصدمة الكبرى” لم يتم تفكيكه أو موازنته عبر بناء مؤسسات ديمقراطية مستقلة وقوية، وخصوصاً القضاء. لقد تم “شطف الدرج” بقوة، ولكن لم يتم “إعادة بنائه” على أسس متينة. هذا الفراغ المؤسسي خلق بيئة مثالية لنشوء شكل جديد وأكثر تعقيداً من الفساد.

            لقد كشفت التجربة الجورجية عن مفارقة حاسمة: إن نفس الظروف اللازمة لنجاح إصلاح “الصدمة الكبرى” – أي تركيز هائل للسلطة في يد قائد أو حزب واحد – هي نفسها الظروف التي تخلق هشاشة شديدة أمام شكل جديد من أشكال الاستيلاء على الدولة. لقد تطلب الأمر قائداً قوياً (ساكاشفيلي) للتغلب على مقاومة الدولة العميقة القديمة. لكن هذه القوة، التي استخدمت في البداية لتحقيق نتائج مذهلة ضد الفساد الصغير ، لم تخضع لضوابط وموازين مؤسسية حقيقية، حيث ظل القضاء ضعيفاً ومسيسًا. وعندما تغيرت الرياح السياسية، لم تختفِ هذه السلطة التنفيذية غير المقيدة وبيئتها المؤسسية الهشة؛ بل تم الاستيلاء عليها ببساطة من قبل نخبة جديدة (الأوليغارشي بيدزينا إيفانيشفيلي وحزب الحلم الجورجي). وبالتالي، فإن “الصدمة الكبرى” لم تحل مشكلة الفساد بشكل جذري، بل غيرت شكله فقط من رشوة صغيرة منتشرة إلى استيلاء مركزي على الدولة من قبل النخب. لقد كان العلاج يحمل في طياته بذور مرض جديد، مما يقدم درساً حاسماً حول أهمية تسلسل الإصلاحات: يجب أن تتبع التكتيكات الصادمة فوراً بناء مؤسسات قوية ومستقلة.

            بعد وصول حزب “الحلم الجورجي” إلى السلطة، بدأت البلاد تشهد تراجعاً ديمقراطياً واضحاً وظهور نمط “الاستيلاء على الدولة” (State Capture)، حيث تستخدم شبكات السلطة غير الرسمية، بقيادة الأوليغارشية، مؤسسات الدولة لتحقيق مصالح خاصة. ويشمل ذلك السيطرة على القضاء، ومهاجمة المجتمع المدني والإعلام، واستغلال الموارد العامة لتعزيز النفوذ السياسي، مما أدى إلى ركود جهود مكافحة الفساد على المستويات العليا.

            وجه المقارنةسنغافورةجورجيا
            محفز الإصلاحأزمة ما بعد الاستعمار، قيادة ذات رؤية.ثورة الزهور (2003)، غضب شعبي من الفساد.
            نموذج الإصلاح الأساسيإصلاح من الأعلى (Top-Down) مع تركيز مؤسسي قوي.“الصدمة الكبرى” (Big Bang) بقيادة نخبة إصلاحية.
            السياسات الرئيسيةقوانين صارمة (PCA)، هيئة مستقلة (CPIB)، رواتب تنافسية، تطبيق صارم للقانون.حل الأجهزة الفاسدة (شرطة المرور)، فصل جماعي للموظفين، تحرير اقتصادي جذري، استخدام التكنولوجيا.
            دور المؤسسات (القضاء/الرقابة)بناء قضاء مستقل نسبياً وهيئة رقابية قوية جداً (CPIB) منذ البداية.إهمال بناء قضاء مستقل، مما أدى إلى بقاء المؤسسات ضعيفة وعرضة للتسييس.
            النتيجة قصيرة المدى (الفساد الصغير)قضاء شبه كامل على الفساد الصغير والإداري.قضاء شبه كامل وسريع جداً على الفساد الصغير والرشوة اليومية.
            النتيجة طويلة المدى (الفساد الكبير/الاستيلاء على الدولة)نظام مستقر ومنخفض الفساد، لكنه سلطوي ويعتمد على نزاهة النخبة الحاكمة.تراجع ديمقراطي، ظهور فساد نخبوي جديد، واستيلاء على الدولة من قبل شبكات غير رسمية.
            الدرس الأساسيالإرادة السياسية مع البناء المؤسسي المتأني يمكن أن تخلق نظاماً مستداماً (وإن كان سلطوياً).“الصدمة” وحدها دون بناء مؤسسي عميق ومتزامن تؤدي إلى حلول مؤقتة وتخلق مخاطر جديدة.

            أوروبا الشرقية ما بعد الشيوعية: المسار الطويل للبناء المؤسسي

            تقدم تجارب دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الشيوعية مختبراً غنياً لفهم تحديات الإصلاح في سياق التحول الديمقراطي. واجهت هذه الدول تركة ثقيلة من الفساد الذي كان جزءاً لا يتجزأ من بنية الدولة الشيوعية واقتصادها المخطط.

                • دور المشروطية الأوروبية: لعبت جاذبية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دوراً حاسماً كحافز خارجي قوي للإصلاح. فرض الاتحاد الأوروبي “مشروطية” (Conditionality) صارمة، حيث طالب الدول المرشحة بتبني حزمة واسعة من القوانين والمؤسسات لمكافحة الفساد كشرط مسبق للعضوية.

                • نتائج متباينة وأهمية العوامل المحلية: كان تأثير هذه المشروطية متفاوتاً. لقد نجحت في دفع الحكومات إلى تبني القوانين وإنشاء الهيئات اللازمة على الورق. لكن هذا النجاح الشكلي لم يترجم دائماً إلى تغيير حقيقي على أرض الواقع. أظهرت التجربة أن الضغط الخارجي يمكن أن يؤدي إلى بناء “قرية بوتيمكين” للإصلاح – أي واجهة من القوانين والمؤسسات الرسمية التي تفتقر إلى الدعم السياسي المحلي الحقيقي والقدرة على التنفيذ الفعلي. كانت عملية تبني القوانين سهلة نسبياً، لكن التكلفة السياسية لتنفيذها – أي تفكيك شبكات المحسوبية ومحاكمة الحلفاء الأقوياء – كانت باهظة جداً على النخب الحاكمة. لذلك، قامت العديد من الدول بإنشاء الهياكل الرسمية التي يطلبها الاتحاد الأوروبي لكنها فشلت في منحها السلطة الحقيقية أو الموارد أو الاستقلال السياسي، مما أدى إلى فجوة تنفيذ هائلة.

              الدول التي حققت نجاحاً أكبر، مثل إستونيا، هي تلك التي تزامنت فيها الضغوط الخارجية مع وجود إرادة سياسية داخلية قوية، وقدرات مؤسسية متنامية، ومجتمع مدني نشط ضغط من أجل تطبيق الإصلاحات بجدية. يؤكد هذا أن الضغط الخارجي أداة محدودة، وأن الإصلاح المستدام يجب أن يكون نابعاً من الداخل ومملوكاً وطنياً.

              القسم الرابع: توليف وإطار للإصلاح المستدام

              بعد استعراض النماذج النظرية والأدلة العملية من تجارب دولية متنوعة، نعود في هذا القسم الختامي إلى المثل الذي انطلقنا منه، “الدرج يُشطَف من الأعلى”، لنقدم تفسيراً توليفياً جديداً ونقترح إطاراً متكاملاً للإصلاح المستدام.

              إعادة النظر في المثل: تفسير توليفي

              يكشف التحليل أن المثل الشامي صحيح في فرضيته الأولية، ولكنه مضلل بشكل خطير في استنتاجه الضمني. إن “شطف الدرج من الأعلى” – أي وجود إرادة سياسية حازمة في قمة السلطة – هو بالفعل شرط ضروري، وخطوة أولى لا غنى عنها في معظم الحالات. فبدون هذه الإرادة، من الصعب كسر الجمود الأولي والتغلب على المقاومة الشرسة من قبل المستفيدين من الوضع القائم. التجارب من سنغافورة إلى جورجيا تؤكد أن انطلاقة الإصلاح تتطلب دفعة قوية من القيادة.

              ولكن، وكما أظهرت حالة جورجيا بوضوح مأساوي، فإن هذا “الشطف” يظل عملاً سطحياً ومؤقتاً إذا لم يتبعه عمل أعمق وأكثر منهجية. فالدرج المتسخ سيعود ليتسخ بسرعة إذا كانت بنيته نفسها مهترئة وقواعد استخدامه فاسدة. إن الإصلاح الحقيقي والمستدام يتطلب ما هو أبعد من مجرد تغيير الأشخاص في القمة. إنه يتطلب:

                  • تنظيف كل درجة على حدة: وهذا يمثل الإصلاح المؤسسي العميق والشامل، من القضاء والنيابة العامة، إلى الخدمة المدنية، مروراً بالأجهزة الرقابية والتشريعية. يجب بناء كل مؤسسة على أسس من الاستقلالية والشفافية والجدارة.

                  • إصلاح أساسات الدرج: وهذا يمثل الإصلاح الدستوري والقانوني. يجب إعادة كتابة “قواعد اللعبة” الأساسية لضمان الفصل بين السلطات، وحماية الحريات، وتكريس مبدأ سيادة القانون، بحيث تصبح هذه المبادئ هي الأساس المتين الذي تقوم عليه الدولة.

                  • تغيير ثقافة مستخدمي الدرج: وهذا يمثل النهج التصاعدي. لا يمكن لأي إصلاح أن يستمر إذا لم يتبناه المجتمع. يتطلب ذلك تعزيز ثقافة جديدة ترفض الفساد وتنبذه، من خلال التعليم، وتمكين المجتمع المدني، وضمان حرية الإعلام، وتشجيع المشاركة الشعبية في الرقابة والمساءلة.

                إطار متكامل للإصلاح: ما وراء “الحل السحري”

                بناءً على ما سبق، فإن وهم “الحل السحري” أو النموذج الواحد الذي يناسب الجميع هو أكبر خطر يواجه أي عملية إصلاح. بدلاً من ذلك، يمكن اقتراح إطار عمل متكامل ومرحلي يجمع بين أفضل عناصر النماذج المختلفة، مع التأكيد على أن تطبيقه يجب أن يكون مرناً ومتكيفاً مع السياق المحلي لكل دولة.

                المرحلة الأولى: اغتنام اللحظة (الإرادة والصدمة)

                    • الهدف: كسر التوازن الفاسد القائم وخلق زخم للتغيير.

                    • الآليات: استغلال نافذة فرصة تاريخية (أزمة اقتصادية، انتخابات حاسمة، تحول سياسي) لإظهار إرادة سياسية عليا لا تقبل المساومة. في هذه المرحلة، يمكن استخدام تكتيكات “الصدمة الكبرى” بشكل محدود وموجه، مثل إجراء محاكمات علنية لرموز الفساد الكبرى، أو حل جهاز أمني أو خدمي معروف بفساده. الهدف هو إثبات الجدية وكسر حاجز الخوف لدى الجمهور والموظفين النزيهين.

                  المرحلة الثانية: بناء الهيكل (التحصين المؤسسي)

                      • الهدف: ترجمة الزخم السياسي الأولي إلى تغيير هيكلي دائم.

                      • الآليات: التحول الفوري والمنهجي نحو الإصلاح المؤسسي العميق. يجب أن تكون الأولوية المطلقة لبناء قضاء مستقل تماماً، لأنه الضامن الوحيد لاستمرارية المحاسبة. بالتوازي، يتم إنشاء أو تمكين هيئات رقابية مستقلة (مكافحة فساد، ديوان محاسبة) ومنحها الموارد والصلاحيات الكافية، وإصلاح الخدمة المدنية على أساس الجدارة، وتمرير قوانين صارمة للشفافية وتضارب المصالح وحماية المبلغين. هذه هي المرحلة الأصعب والأطول، وهي التي تحدد مصير عملية الإصلاح برمتها.

                    المرحلة الثالثة: زراعة الحديقة (المشاركة المجتمعية)

                        • الهدف: خلق بيئة اجتماعية وثقافية حاضنة للنزاهة تضمن استدامة الإصلاحات.

                        • الآليات: يجب أن تتزامن المرحلتان السابقتان مع فتح المجال العام أمام المجتمع المدني والإعلام الحر. يتضمن ذلك تطبيق قوانين الحق في الوصول إلى المعلومات، ودعم الصحافة الاستقصائية، وتشجيع إنشاء منظمات أهلية تراقب أداء الحكومة، وإدماج مفاهيم النزاهة ومكافحة الفساد في المناهج التعليمية. الهدف هو تحويل المواطن من متلقٍ سلبي للخدمات إلى شريك فاعل في الرقابة والمساءلة.

                      في الختام، إن منطق “الدرج يُشطَف من الأعلى” يظل حكمة جزئية. فالإصلاح الحقيقي لا يقتصر على تغيير الأشخاص، بل يتطلب جهداً متكاملاً ومنسقاً يجمع بين الإرادة السياسية في القمة، ومتانة المؤسسات في الوسط، والرقابة الفعالة من القاعدة. إن تجاهل أي من هذه الأبعاد يعني ترك الدرج عرضة للاتساخ من جديد، ربما بشكل أسرع وأكثر خبثاً من المرة السابقة. فالنظافة الدائمة لا تأتي من “شطفة” واحدة، بل من عملية بناء وصيانة ومراقبة مستمرة.

                      المراجع

                      1. جهاد علاونه – الهدية بلية – الحوار المتمدن, accessed on July 19, 2025, https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=221369

                      2. أمثال سورية – ويكي الاقتباس, accessed on July 19, 2025, https://ar.wikiquote.org/wiki/%D8%A3%D9%85%D8%AB%D8%A7%D9%84_%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9

                      3. (PDF) Understanding Success and Failure of Anti-Corruption Initiatives – ResearchGate, accessed on July 19, 2025, https://www.researchgate.net/publication/257552778_Understanding_Success_and_Failure_of_Anti-Corruption_Initiatives

                      4. Is it Better to Empower the People or the Authorities? Assessing the Conditional Effects of ‘Top-Down’ and ‘Bottom-Up’ Anti-Corruption Interventions – HRV Transparency Project, accessed on July 19, 2025, https://hrvtransparency.org/wp-content/uploads/JRHPersonal/CorrupInterventionsReview.pdf

                      5. Untitled – مركز دراسات الوحدة العربية, accessed on July 19, 2025, https://caus.org.lb/wp-content/uploads/2024/08/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D9%82%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%85%D9%86%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D9%84%D8%A7%D9%84.pdf

                      6. Review of anti-corruption strategies – Australian Institute of Criminology, accessed on July 19, 2025, https://www.aic.gov.au/sites/default/files/2020-05/tbp023.pdf

                      7. Singapore’s success in combating corruption: lessons for policy makers – ResearchGate, accessed on July 19, 2025, https://www.researchgate.net/publication/317132378_Singapore’s_success_in_combating_corruption_lessons_for_policy_makers

                      8. Case Details (Public), accessed on July 19, 2025, https://publicadministration.un.org/unpsa/ar/Home/Case-Details-Public?PreScreeningGUID=561def74-c060-4bea-969a-23e8feed9d69&ReadOnly=Yes

                      9. ﺗﺠﺎرب ﺑﻌﺾ اﻟﺪول ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻟﻔﺴﺎد, accessed on July 19, 2025, http://www.transparency.org.kw.au-ti.org/upload/books/544.pdf

                      10. (نسخة نهائية) الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.indd, accessed on July 19, 2025, https://sis.gov.eg/UP/%D9%86%D8%AA%D8%A7%D8%A6%D8%AC%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%D9%84%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A9%20%D9%84%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF.pdf

                      11. Tuning in to the politics of (anti-)corruption: astute interventions and …, accessed on July 19, 2025, https://www.u4.no/publications/tuning-in-to-the-politics-of-anti-corruption-astute-interventions-and-deeper-accountability

                      12. Why Anti-Corruption Reforms Fail—Systemic Corruption as a Collective Action Problem | Request PDF – ResearchGate, accessed on July 19, 2025, https://www.researchgate.net/publication/264645578_Why_Anti-Corruption_Reforms_Fail-Systemic_Corruption_as_a_Collective_Action_Problem

                      13. (PDF) Anti-corruption: The indirect ‘big bang’ approach – ResearchGate, accessed on July 19, 2025, https://www.researchgate.net/publication/233058668_Anti-corruption_The_indirect_’big_bang’_approach

                      14. Anti-Corruption – A Big Bang Theory – Göteborgs universitet, accessed on July 19, 2025, https://www.gu.se/sites/default/files/2020-05/2007_3_Rothstein.pdf

                      15. Understanding success and failure of anti-corruption initiatives, accessed on July 19, 2025, https://www.u4.no/publications/understanding-success-and-failure-of-anti-corruption-initiatives

                      16. Understanding Success and Failure of Anti-Corruption Initiatives, accessed on July 19, 2025, https://research.manchester.ac.uk/files/25387977/POST-PEER-REVIEW-NON-PUBLISHERS.DOC

                      17. Anti-Corruption in Adverse Contexts: A Strategic Approach – The Policy Practice, accessed on July 19, 2025, https://www.thepolicypractice.com/sites/default/files/2022-09/74210261.pdf

                      18. Anti-Corruption Reforms: Challenges, Effects and Limits of World Bank Support Background Paper to Public Sector Reform, accessed on July 19, 2025, https://www.cmi.no/publications/file/3134-anti-corruption-reforms-challenges.pdf

                      19. الدولة العميقة وأزمة التحول السياسي في العالم العربي – المركز …, accessed on July 19, 2025, https://democraticac.de/?p=101412

                      20. الدولة العميقة – ويكيبيديا, accessed on July 19, 2025, https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%8A%D9%82%D8%A9

                      21. تشريح الدولة العميقة في مصر – Al Masar Studies, accessed on July 19, 2025, https://almasarstudies.com/%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1/

                      22. The best practices and evidence on anti-corruption initiatives supported by civil society organisations in fragile states – Transparency International Knowledge Hub, accessed on July 19, 2025, https://knowledgehub.transparency.org/helpdesk/the-best-practices-and-evidence-on-anti-corruption-initiatives-supported-by-civil-society-organisations-in-fragile-states

                      23. استراتيجيات مواجهة الفساد المالي والإداري, accessed on July 19, 2025, https://www.aman-palestine.org/media-center/2124.html

                      24. الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد – لمكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإداريّة, accessed on July 19, 2025, https://www.omsar.gov.lb/Anti-corruption-(1)/National-Anti-Corruption-Strategy

                      25. دور المجتمع المدني في مكافحة الفساد – ASJP – CERIST, accessed on July 19, 2025, https://asjp.cerist.dz/en/article/203002

                      26. منظمات المجتمع المدني ودورها في مكافحة الفساد – هيئة مكافحة الفساد, accessed on July 19, 2025, https://www.pacc.ps/uploads/books/7/book-207-cat-7-d-27-08-13.pdf

                      27. Some Successful Initiatives by Civil Society to Prompt Corruption-Related Litigation | GAB, accessed on July 19, 2025, https://globalanticorruptionblog.com/2014/07/30/some-successful-initiatives-by-civil-society-to-prompt-corruption-related-litigation/

                      28. Youth against corruption: Inspiring stories from Indo-Pacific – Transparency International, accessed on July 19, 2025, https://www.transparency.org/en/blog/youth-against-corruption-inspiring-stories-from-indo-pacific

                      29. Micro-Corruption: Measuring Corruption from the Bottom Up – Global Georgetown University, accessed on July 19, 2025, https://global.georgetown.edu/responses/micro-corruption-measuring-corruption-from-the-bottom-up

                      30. Why Georgia’s Democracy Is Collapsing, accessed on July 19, 2025, https://www.journalofdemocracy.org/online-exclusive/why-georgias-democracy-is-collapsing/

                      31. EU enlargement must prioritise fighting corruption… – Transparency.org, accessed on July 19, 2025, https://www.transparency.org/en/news/eu-enlargement-must-prioritise-fighting-corruption

                      32. Institutional Reform | International Center for Transitional Justice, accessed on July 19, 2025, https://www.ictj.org/institutional-reform

                      33. Full article: An Institutional Fail-Safe? How the Gap in Judicial Independence Between High and Low Courts Explains the Reversal of Corruption Convictions of Former Heads of Government, accessed on July 19, 2025, https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/10999922.2025.2524888?src=

                      34. Judicial Independence – DPLF, accessed on July 19, 2025, https://dplf.org/en/judicial-independence/

                      35. Anti-Corruption Module 6 Key Issues: Transparency as a Precondition, accessed on July 19, 2025, https://www.unodc.org/e4j/ar/anti-corruption/module-6/key-issues/transparency-as-a-precondition.html

                      36. A Blueprint For Clean Governance? Singapore’s Fight Against …, accessed on July 19, 2025, https://www.maju.sg/post/a-blueprint-for-clean-governance-singapore-s-fight-against-corruption

                      37. سـياسـات وهيئـات مكافحـة الفســاد – NATO, accessed on July 19, 2025, https://www.nato.int/nato_static_fl2014/assets/pdf/2020/7/pdf/200724-BI-GGG3-ara.pdf

                      38. NationalAssociationFightagainst, accessed on July 19, 2025, https://www.ohchr.org/sites/default/files/Documents/Issues/Corruption/BestPractices/NationalAssociationFightagainstCorruption.docx

                      39. ANTI-CORRUPTION REFORM – EVOLUTION OR BIG BANG?, accessed on July 19, 2025, https://eba.se/wp-content/uploads/2016/12/DDB_2016_8_Sundell_webb.pdf

                      40. Delivering on the Hope of the Rose Revolution: Public Sector …, accessed on July 19, 2025, https://successfulsocieties.princeton.edu/publications/delivering-hope-rose-revolution-public-sector-reform-georgia-2004-2009

                      41. From Popular Revolutions to Effective Reforms: A Statesman’s Forum with President Mikheil Saakashvili of Georgia – Brookings Institution, accessed on July 19, 2025, https://www.brookings.edu/events/from-popular-revolutions-to-effective-reforms-the-georgian-experience/

                      42. “الفساد ليس ثقافة”… كيف حاصرت جورجيا الوباء؟ – العربي الجديد, accessed on July 19, 2025, https://www.alaraby.co.uk/economy/%22%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D9%84%D9%8A%D8%B3-%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9%22-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AD%D8%A7%D8%B5%D8%B1%D8%AA-%D8%AC%D9%88%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%A1%D8%9F

                      43. Seizing the moment: rebuilding Georgia’s police – Centre for Public Impact, accessed on July 19, 2025, https://centreforpublicimpact.org/public-impact-fundamentals/seizing-the-moment-rebuilding-georgias-police/

                      44. جورجيا تنهض مجدداً – العربي الجديد, accessed on July 19, 2025, https://www.alaraby.co.uk/%D8%AC%D9%88%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D9%86%D9%87%D8%B6-%D9%85%D8%AC%D8%AF%D8%AF%D8%A7%D9%8B

                      45. From concentrated power to state capture: Georgia’s backsliding anti …, accessed on July 19, 2025, https://www.transparency.org/en/blog/from-concentrated-power-to-state-capture-georgias-backsliding-anti-corruption-reforms

                      46. (PDF) Lee Kuan Yew’s role in minimising corruption in Singapore, accessed on July 19, 2025, https://www.researchgate.net/publication/361591617_Lee_Kuan_Yew’s_role_in_minimising_corruption_in_Singapore

                      47. عرض التجربة السنغافورية في مجال مكافحة الفساد كتجربة عالمية رائدة – ASJP, accessed on July 19, 2025, https://www.asjp.cerist.dz/en/article/140782

                      48. CORRUPTION CONTROL IN SINGAPORE, accessed on July 19, 2025, https://www.unafei.or.jp/publications/pdf/RS_No83/No83_17VE_Koh1.pdf

                      49. The Fight Against Corruption in Singapore – Licks Attorneys, accessed on July 19, 2025, https://www.lickslegal.com/post/the-fight-against-corruption-in-singapore

                      50. Lee Kuan Yew – Wikipedia, accessed on July 19, 2025, https://en.wikipedia.org/wiki/Lee_Kuan_Yew

                      51. Singapore’s Corruption Control Framework – Corrupt Practices Investigation Bureau, accessed on July 19, 2025, https://www.cpib.gov.sg/about-corruption/prevention-and-corruption/singapores-corruption-control-framework/

                      52. Successful Anti-corruption Initiatives in Botswana, Singapore and Georgia – University of Pretoria, accessed on July 19, 2025, https://repository.up.ac.za/bitstreams/cd7af931-6995-44f4-9e08-0f5b44193d67/download

                      53. (PDF) СOMPARATIVE ANALYSIS OF THE POLITICAL MODERNIZATION OF GEORGIA AND SINGAPORE – ResearchGate, accessed on July 19, 2025, https://www.researchgate.net/publication/378820649_SOMPARATIVE_ANALYSIS_OF_THE_POLITICAL_MODERNIZATION_OF_GEORGIA_AND_SINGAPORE

                      54. Curbing Corruption in Singapore: The Importance of Political Will, Expertise, Enforcement, and Context | Request PDF – ResearchGate, accessed on July 19, 2025, https://www.researchgate.net/publication/294416158_Curbing_Corruption_in_Singapore_The_Importance_of_Political_Will_Expertise_Enforcement_and_Context

                      55. Rose Revolutionary | Columbia Magazine, accessed on July 19, 2025, https://magazine.columbia.edu/article/rose-revolutionary

                      56. أربع أساليب مبتكرة يتّبعها البنك الدولي لمكافحة الفساد – World Bank Blogs, accessed on July 19, 2025, https://blogs.worldbank.org/ar/voices/four-innovative-ways-the-world-bank-is-fighting-corruption

                      57. الفساد في جورجيا – ويكيبيديا, accessed on July 19, 2025, https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF_%D9%81%D9%8A_%D8%AC%D9%88%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A7

                      58. Against the Grain: – How Georgia Fought Corruption and What It Means – Central Asia-Caucasus Institute, accessed on July 19, 2025, https://silkroadstudies.org/resources/pdf/SilkRoadPapers/2012_09_SRP_Engvall_Georgia-Corruption.pdf

                      59. The End of the Rose for Saakashvili – Atlantic Council, accessed on July 19, 2025, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/ukrainealert/the-end-of-the-rose-for-saakashvili/

                      60. Georgia’s anti-corruption reforms stall amid… – Transparency.org, accessed on July 19, 2025, https://www.transparency.org/en/blog/cpi-2020-georgia-anti-corruption-reforms-stall-political-crisis-state-capture

                      61. Democratic Backsliding in Georgia – University of Alabama at Birmingham, accessed on July 19, 2025, https://sites.uab.edu/humanrights/2025/01/31/democratic-backsliding-in-georgia/

                      62. Twenty Years Since Rose Revolution of 2003: Gains, Losses and Lessons – Civil Georgia, accessed on July 19, 2025, https://civil.ge/archives/571137

                      63. Georgia’s second rose revolution – The Loop: ECPR’s political science blog, accessed on July 19, 2025, https://theloop.ecpr.eu/georgias-second-rose-revolution/

                      64. (PDF) Political Corruption in Eastern Europe: Politics After Communism – ResearchGate, accessed on July 19, 2025, https://www.researchgate.net/publication/265750741_Political_Corruption_in_Eastern_Europe_Politics_After_Communism

                      65. A Barrier to Democracy: Corruption in Former Soviet Eastern Europe – Northern Kentucky University, accessed on July 19, 2025, https://dspace.nku.edu/bitstreams/4eedf6db-1aa5-412d-8489-fbab62c50143/download

                      66. Introduction – The European Union’s Fight Against Corruption – Cambridge University Press, accessed on July 19, 2025, https://www.cambridge.org/core/books/european-unions-fight-against-corruption/introduction/CACE860B5EE4D4CE4D37AB8A4E8FF40E

                      67. (PDF) Effectiveness of EU Conditionality in the Western Balkans: Minority Rights and the Fight Against Corruption in Croatia and Macedonia – ResearchGate, accessed on July 19, 2025, https://www.researchgate.net/publication/290535365_Effectiveness_of_EU_Conditionality_in_the_Western_Balkans_Minority_Rights_and_the_Fight_Against_Corruption_in_Croatia_and_Macedonia

                      68. The European Union, conditionality and corruption control during enlargement: the Czech Republic, Romania and Macedonia – Figshare, accessed on July 19, 2025, https://sussex.figshare.com/articles/thesis/The_European_Union_conditionality_and_corruption_control_during_enlargement_the_Czech_Republic_Romania_and_Macedonia/23478590

                      69. Corruption in Eastern Europe: a persistent evil with deep roots – CM …, accessed on July 19, 2025, https://www.cmlaw.lu/post/corruption-in-eastern-europe-a-persistent-evil-with-deep-roots/

                      70. European Union – ERCAS, accessed on July 19, 2025, https://www.againstcorruption.eu/countries/european-union/

                      71. Compliance and Corruption: The Conditional Impact of EU Law in Post-Communist Eastern Europe – UiS Brage, accessed on July 19, 2025, https://uis.brage.unit.no/uis-xmlui/handle/11250/3204350

                      72. Combatting High-level Corruption in Eastern Europe | OECD, accessed on July 19, 2025, https://www.oecd.org/en/publications/combatting-high-level-corruption-in-eastern-europe_3c82f87d-en.html

                      73. The Impact of EU Conditionality on Corruption Control and Governance in Bosnia and Herzegovina, accessed on July 19, 2025, https://www.againstcorruption.eu/publications/the-impact-of-eu-conditionality-on-corruption-control-and-governance-in-bosnia-and-herzegovina/