سوريا: رؤية للمستقبل في مواجهة واقع غامض
يثير تقرير حديث لوكالة رويترز بعنوان “إعادة تشكيل اقتصاد سوريا السري” مخاوف جدية حول مستقبل البلاد الاقتصادي بعد الصراع. يزعم التقرير أن “لجنة ظل” سرية، يرأسها حازم الشرع، الأخ الأكبر للرئيس أحمد الشرع، هي التي تدير هذا التحول.
Reuters: Syria is secretly reshaping its economy. The president’s brother is in charge
يقال إن هذه اللجنة تعقد صفقات مع رجال أعمال أقوياء من حقبة الأسد، حيث تعرض عليهم العفو مقابل الحصول على أموال وسيطرة على الشركات. يصف التقرير هذا النهج بأنه عملي ولكنه قد يكون قاسياً، حيث يفضل عقد الصفقات على الرقابة الحكومية الشفافة. هذا الأسلوب يعطي الأولوية للمكاسب المالية الفورية، ولكنه يخاطر بترسيخ هياكل السلطة القديمة في سوريا الجديدة.
هذا الوضع يتناقض بشكل حاد مع الرؤية المليئة بالأمل لدولة عادلة ومستدامة. هذه الرؤية سيتم تفصيلها في كتاب الدكتور ريان أزهري القادم، “إعادة كتابة القواعد: رؤية لإعادة إعمار سوريا المستدام”. يرى د. أزهري أن الدمار الذي لحق بسوريا يوفر “صفحة بيضاء” فريدة لبناء دولة شفافة ومزدهرة من الصفر. ويعتقد أن البلاد يمكنها استخدام التكنولوجيا والتمويل الحديث لتجاوز عقود من التنمية. لكن ما كشفه تقرير رويترز يشير إلى أن هذه الفرصة التاريخية قد تضيع بسبب نفس الفساد والمحسوبية التي يسعى كتاب الدكتور الأزهري لإصلاحها، مما قد يخلق واجهة جديدة فوق أساس فاسد.
النموذج المثالي: الصدق كأساس للثقة
من النقاط الرئيسية في كتاب د. أزهري أن الشفافية الكاملة والمساءلة ليستا مجرد أهداف أخلاقية، بل هما استراتيجيتان اقتصاديتان حيويتان لدولة تحتاج إلى بناء الثقة من الصفر. من المتوقع أن يجادل بأن الانهيار الكامل لأنظمة سوريا القديمة، رغم مأساويته، يسمح بإنشاء “مؤسسات جديدة من الصفر”.
وهذا يشمل:
بناء أنظمة رقمية حديثة: هذا من شأنه أن يجعل عمليات الحكومة، من تحصيل الضرائب إلى الإنفاق العام، مرئية وقابلة للتتبع بالكامل، مما يقلل بشكل كبير من فرص الفساد.
التوظيف على أساس الكفاءة: تطبيق نظام توظيف شفاف قائم على المهارات من شأنه أن يتحدى بشكل مباشر المحسوبية التي عانت منها الدولة تاريخياً.
ضمان عمليات شراء حكومية مفتوحة ونزيهة منذ البداية: سيتم منح جميع العقود العامة من خلال عطاءات مفتوحة وتنافسية، مما يمنع الصفقات السرية التي أثرت النخبة القديمة.
يعتقد أزهري أن هذه التغييرات، التي سيكون من المستحيل سياسياً تطبيقها في دولة مستقرة ذات مصالح راسخة، يمكنها أخيراً حل مشكلة “الواسطة” (المحسوبية) القديمة. ومن خلال جعل العدالة والشفافية الإعدادات الافتراضية للدولة، تهدف رؤيته إلى تعزيز الحرية والمعرفة وحقوق المرأة كأعمدة للاقتصاد الجديد. لكن تقرير رويترز يتحدى هذا النموذج المثالي، حيث يكشف عن عملية إعادة هيكلة اقتصادية تديرها لجنة لم تعلن الحكومة “عن عملها أو حتى عن وجودها”. هذا الغموض العميق يتعارض بشكل مباشر مع رؤية الدولة المفتوحة القائمة على الثقة التي يروج لها أزهري.
العدالة مقابل النفعية: ثمن التسوية
من المتوقع أن يصف أزهري في كتابه العدالة الانتقالية بأنها شكل من أشكال “البنية التحتية الاقتصادية”، ويرى أنها ضرورية لإعادة بناء الثقة الاجتماعية والتعاون اللازمين لاقتصاد فعال. إن إجراءات مثل التحقيق في الفساد، واسترداد الأموال المسروقة، ومحاسبة المخطئين، تعتبر “البنية التحتية الأساسية لبناء الثقة” اللازمة لاقتصاد جديد ومستقر. وسيحذر الكتاب من تكرار إخفاقات مثل إعادة إعمار لبنان بعد الحرب، حيث يُعتقد أن 40% من الأموال ذهبت إلى النخب السياسية، مما خلق دائرة من الديون والغضب الشعبي.
ومع ذلك، يشير تقرير رويترز إلى أن القيادة الجديدة اختارت “التفاوض لاسترداد أموال تشتد الحاجة إليها” بدلاً من محاكمة رجال الأعمال المشتبه في سرقتهم لثروات. وهذا يشمل صفقات مع رجال أعمال سوريين أثرياء، بعضهم يخضع لعقوبات أمريكية، والذين يُسمح لهم بالاحتفاظ “ببعض الأرباح وتجنب الملاحقة القضائية من قبل الدولة، مقابل ثمن”. هذا النهج العملي والسري يضعف “أساس العدالة للتعاون الاقتصادي” الذي يقدمه عمل د. أزهري كعنصر حيوي للاستقرار طويل الأمد. إنه يرسل رسالة مفادها أن الثروة يمكن أن تمحو جرائم الماضي، مما يخاطر بخلق غضب عميق ودائم بين السوريين العاديين إذا تم استبدال مجموعة من النخب القوية بمجموعة أخرى ببساطة.
فرصة الـ 30 تريليون دولار: المصداقية هي المفتاح
فكرة أساسية في رؤية د. أزهري هي أن سوريا يمكنها جذب حصة من أكثر من 30 تريليون دولار من الاستثمارات العالمية في مجال البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG). يبحث هؤلاء المستثمرون عن “فرص تحويلية” تقدم عوائد مالية وتأثيراً اجتماعياً إيجابياً. والأهم من ذلك، أنهم يحتاجون إلى شركاء صادقين وخاضعين للمساءلة لأن سمعتهم ونماذجهم المالية تعتمد على ذلك. وكما سيقول كتاب د. أزهري على الأرجح، فإن الصدق هو “تذكرة الدخول إلى أسواق رأس المال” في القرن الحادي والعشرين.
الممارسات الموصوفة في تقرير رويترز يمكن أن تعرض وصول سوريا إلى هذا التمويل الحيوي للخطر. يقوم مستثمرو ESG بفحص دقيق ولن يستثمروا في هياكل سرية. وقد حذر دبلوماسيون غربيون كبار من أن تركيز السلطة الاقتصادية في أيدي “شخصيات الظل” يمكن أن “يعيق الاستثمار الأجنبي والمصداقية”. كما وُصف إنشاء صندوق ثروة سيادي جديد يديره شقيق الرئيس، دون إشراف عام، بأنه “سابق لأوانه” ويفتقر إلى المساءلة. وهذا يتناقض بشكل مباشر مع الأنظمة المالية الشفافة والمستقلة التي سيدعمها د. أزهري كعنصر أساسي لجذب رأس المال العالمي.
رؤية لإعادة إعمار حقيقي
يقترح إطار عمل د. أزهري، الذي سيتم تفصيله في كتابه، “قفزة تحويلية” لسوريا. يشمل هذا المسار:
الشفافية الكاملة: بناء هيئات حكومية من الصفر بأنظمة رقمية لتقليل الفساد وزيادة الشفافية في جميع وظائف الدولة.
العدالة كأساس اقتصادي: استخدام العدالة الانتقالية ليس للانتقام، ولكن للتحقيق في الفساد واسترداد الأصول المسروقة، مما يبني المصداقية الأساسية التي لا يمكن للإصلاحات الإدارية وحدها توفيرها.
تبني “اقتصاد الدونات”: تصميم الدولة لتلبية الاحتياجات البشرية الأساسية (مثل الصحة والإسكان والتعليم) مع احترام حدود الكوكب، مع التركيز على أنظمة غذائية مرنة وطاقة نظيفة وإسكان فعال.
ميزة مناخية استراتيجية: استخدام وضع سوريا ما بعد الصراع لجذب تمويلات المناخ والاستثمارات البيئية والاجتماعية من خلال إنشاء أنظمة تحقق موثوقة ومعترف بها دولياً للمشاريع الخضراء منذ اليوم الأول.
التوزيع العادل: ضمان أن إعادة الإعمار تفيد جميع المجتمعات، وتعزز الوحدة الاجتماعية، وتعطي الأولوية للملكية المحلية لتجنب “الاستعمار الكربوني”، حيث تستولي المصالح الأجنبية أو نخبة محلية على أرباح الموارد الخضراء دون إفادة السكان على نطاق أوسع.
يقدم كتاب د. أزهري القادم خطة مفصلة لبناء مجتمع مستدام وعادل من بداية جديدة. لكن تحقيق رويترز يشير إلى أن الأساس الجديد الذي يتم بناؤه قد يكون أقل صدقاً، بمظهر جديد ولكن بهيكل قديم ومألوف. تواجه سوريا خياراً واضحاً: إما أن “تعيد كتابة القواعد” حقاً وتصبح نموذجاً للتعافي في القرن الحادي والعشرين، أو أن تكرر الأنماط القديمة التي تؤدي إلى عدم الاستقرار وانعدام الثقة. ستحدد النتيجة ما إذا كانت الأمة ستنهض من الرماد كمنارة أمل أم ستبقى محاصرة في ظلال ماضيها.