أزمة سوريا المتعددة الأوجه: دمج العدالة البيئية وإعادة الإعمار الخضراء من أجل مستقبل قادر على الصمود

أزمة سوريا المتعددة الأوجه: دمج العدالة البيئية وإعادة الإعمار الأخضر من أجل مستقبل قادر على الصمود

مقدمة

الجمهورية العربية السورية عالقة في “أزمة متعددة الأوجه” مدمرة وتتفاقم ذاتياً. ترتبط آثار تغير المناخ المتزايدة بشدة بإرث سوء الإدارة الاستبدادية، ونتائج أكثر من عقد من الصراع الوحشي، وانهيار اقتصادي عميق. يرى هذا التقرير أن هذه الأزمات ليست منفصلة، بل هي فشل نظامي واحد. لقد كان التدهور البيئي محركاً رئيسياً للصراع وعائقاً حاسماً أمام السلام.

الفرضية الأساسية لهذا التحليل هي أن السلام المستدام وشرعية أي دولة سورية مستقبلية مستحيلان دون معالجة الأمن البيئي بشكل جذري. يجب أن يُبنى الطريق إلى سوريا مستقرة وقادرة على الصمود على ركيزتين أساسيتين: العدالة البيئية وإعادة الإعمار الأخضر. هذه ليست قضايا ثانوية يتم التعامل معها بعد التوصل إلى تسوية سياسية، بل هي شروط أساسية لنجاح أي تسوية من هذا النوع.

الأزمة البيئية والإنسانية في سوريا

تواجه سوريا، وهي منطقة مناخية ساخنة عالمياً، أزمة مياه خطيرة. لقد تسارعت هذه الأزمة بسبب تغير المناخ وتفاقمت بسبب الجغرافيا السياسية الإقليمية. أدى ذلك إلى انهيار القطاع الزراعي، مما ترك 14.5 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي. كما دفع هذا الوضع موجة جديدة من النزوح بسبب المناخ.

أدى تدمير ثلثي البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في البلاد إلى كوارث صحية عامة متكررة. من هذه الكوارث تفشي وباء الكوليرا على نطاق واسع. الأزمة الإنسانية، التي كانت مدفوعة سابقاً بالعنف المباشر، تُغذى الآن بشكل رئيسي من هذه الضغوط البيئية المستمرة.

العدالة الانتقالية والمساءلة البيئية

تخاطر عملية العدالة الانتقالية الناشئة في سوريا بالفشل إذا تجاهلت المظالم البيئية والاقتصادية التي كانت أساسية في انتفاضة عام 2011. لكي تكون العدالة ذات معنى ويكون السلام دائماً، يجب توسيع نطاق المساءلة ليشمل الأضرار البيئية.

بناءً على أمثلة دولية من كولومبيا والعراق، يقترح هذا التقرير نموذجاً هجيناً للمساءلة البيئية. يشمل هذا النموذج:

  • تقييم بيئي لما بعد الصراع بقيادة الأمم المتحدة: لإنشاء قاعدة أدلة موضوعية للضرر.

  • صندوق للمعالجة البيئية والتعويضات: يتم تمويله من الأصول المصادرة والمساهمات الدولية، لتمويل عمليات التنظيف وتقديم التعويضات.

  • إنشاء وكالة وطنية جديدة ومستقلة لحماية البيئة: لضمان عدم تكرار إخفاقات الماضي.

إعادة الإعمار الأخضر: فرصة للمستقبل

يمثل الدمار الواسع الذي لحق بالبنية التحتية السورية فرصة فريدة. يمكن لسوريا تجاوز الأنظمة الفاشلة والملوثة والضعيفة في الماضي. إعادة الإعمار “البني” الذي يعيد الاستثمار في الوقود الأحفوري سيزيد من تفاقم الأزمات المستقبلية. كما سيجمد الأصول في اقتصاد عالمي يتجه نحو التخلص من الكربون.

إعادة الإعمار الأخضر هي المسار الأكثر حكمة من الناحية المالية والأكثر وعياً بالأمن للمضي قدماً. يحدد هذا التقرير خطة عمل تشمل:

  • قانون بناء سوري أخضر إلزامي: لضمان أن تكون جميع الإنشاءات الجديدة موفرة للطاقة والمياه.

  • تحول على الصعيد الوطني إلى الزراعة الذكية مناخياً: وإنهاء الإعانات الضارة وتعزيز المحاصيل المقاومة للجفاف والري الحديث.

  • محور استراتيجي للطاقة المتجددة اللامركزية: لتعزيز صمود الشبكة وتحقيق استقلال الطاقة.

حشد رأس المال ودور المجتمع الدولي

يعد حشد رأس المال المطلوب تحدياً هائلاً. لكن التخفيف الأخير للعقوبات الدولية يخلق فرصة مهمة. هناك حاجة إلى استراتيجية تمويل مختلطة. هذه الاستراتيجية تجمع بين المنح وصناديق المناخ المخصصة ورأس المال الخاص المخفف المخاطر.

دور المجتمع الدولي محوري: يجب أن يفرض شروطاً بيئية صارمة على جميع تمويلات إعادة الإعمار. هذا سيوجه الانتعاش نحو مسار مستدام.

الخلاصة

تعتبر الأزمة السورية متعددة الأوجه تحذيراً صارخاً. توضح كيف يمكن لتغير المناخ والصراع وفشل الحكم أن يخلق حلقة كارثية من الانهيار. بينما توجد الحلول التقنية والمالية لتحقيق انتعاش أخضر وعادل، فإن فرصة تنفيذها لا تزال نظرية إلى حد كبير.

يعتمد تحقيقها على تسوية سياسية دائمة، وإعادة بناء مؤسسات الدولة الفاعلة، وجهد متضافر ومتكامل من الجهات الفاعلة السورية والدولية. بدون استراتيجية شجاعة تضع استعادة البيئة والعدالة في صميمها، تواجه سوريا دوامة هبوط مستمرة. ستؤدي البيئة المتدهورة إلى تغذية الهشاشة والصراع لأجيال قادمة. الخيار واضح، ونافذة العمل تضيق.